دراسة: بناء 1.113 مليون شقة في 2021-2022
أظهرت دراسة من يبني الإسكان في مصر، الصادرة عن مرصد العمران، بناء 1.113.279 وحدة سكنية في مصر العام الماضي. شارك في البناء ثلاثة مُنتجين رئيسيين: القطاع الخاص الرسمي، والقطاع الخاص غير الرسمي أوالأهلي، والقطاع العام. جاء أكبر منتِج للإسكان القطاع الخاص غير الرسمي، حيث قام ببناء 867.208 وحدة، بنسبة مذهلة بلغت 78% من إجمالي الوحدات المُشيَّدة خلال سنة 2021/2022. شُيِّدت هذه المنازل من قِبَل الأفراد أو المقاولين دون الحصول على تصريح بناء، سواء على أراضٍ زراعية أو أراضٍ صحراوية عشوائية أو قِطع الأراضي المخططة والمُقسمة رسميًّا. جاء القطاع العام في المركز الثاني، ببناء 130.660 وحدة بنسبة 12% من إجمالي المساكن. إذ قامت الشركات المملوكة للدولة ببناء مساكن اجتماعية مدعومة، فضلًا عن سلسلة متنامية من مشاريع الإسكان والمشاريع العقارية الهادفة للربح. وكان أقل منتِج للإسكان في مصر هو القطاع الخاص الرسمي الذي أنتج 115.441 وحدة، أي ما يمثل 10% فقط من إجمالي إنتاج المساكن. يتكون القطاع الخاص الرسمي في الأغلب من شركات تطوير عقاري محدودة وأخرى واسعة النطاق، وأعداد (متناقصة) من الأفراد، الذين يتقدمون بطلبات للحصول على تراخيص للبناء على قطع الأراضي التي تُجيز الحكومة البناء عليها.
شهدت سنة 2021/2022 انتعاش بناء المساكن عمومًا، الذي قفز بنسبة هائلة بلغت 51% مقارنة بالعام السابق، لكنه ظل أقل من حجمه قبل أربع سنوات. ترجع هذه القفزة إلى نشاط القطاع الخاص غير الرسمي، الذي تضاعف إنتاجه تقريبًا، حيث ارتفع بنسبة 116٪ مقارنة بالعام السابق 2020/2021. قد يعني هذا أن الحكومة عادت إلى السماح بالبناء غير الرسمي بعد التشديدات واسعة النطاق منذ 2020، خاصة مع إقرار قانون التصالُح على مخالفات البناء وحظر البناء الذي فُرِض خلال جائحة كورونا. مع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه الأرقام لا تُظهر بالضرورة الإنتاج الفعلي للمساكن خلال تلك الفترة تحديدًا، لأنها تعتمد على اشتراكات الكهرباء، إلا أنها قد تمثل الإسكان غير الرسمي الذي تم بناؤه في السنوات السابقة والذي لم يُسمح له باشتراكات الكهرباء الرسمية إلا خلال سنة معينة.
من ناحية أخرى، انخفض الإنتاج الرسمي للمساكن، مع تراجُع القطاع الخاص الرسمي بحوالي الثُّلث، وإنتاج القطاع العام بنسبة الخُمس. يمكن تفسير هذه الانخفاضات جزئيًّا بارتفاع تكاليف البناء والقروض، بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية. إلا أن هذا لم يظهر إلا مع اقتراب نهاية الرُّبع الثالث من العام المالي 2021/2022، ما يعني احتمالية وجود عوامل أخرى.
بالنظر إلى البيانات طويلة المدى، يشير الباحث الرئيس، يحيى شوكت، إلى إمكانية ملاحظة تطورين رئيسيين في 2021/2022. التطور الأول هو استعادة إنتاج القطاع الخاص غير الرسمي مكانته طويلة المدى، حيث زاد إنتاجه قليلًا عن متوسطه في عشر سنوات، من 75% إلى 78% فبلغ مليون وحدة سنويًّا، وهي أيضًا أعلى حصة له منذ 2013/2014. التطور الآخر هو إنتاج القطاع الخاص الرسمي وحدات أقل من القطاع العام، ما يعني أن الحكومة صارت ثاني أكبر منتِج للإسكان في مصر، والمنتج الرائد للوحدات السكنية الرسمية. هذه هي المرة الثانية فقط خلال خمسة عشر عامًا، التي يتخطى فيها الإنتاج الحكومي القطاع الخاص الرسمي، الذي أنتج في هذه السنة مساكن بمعدل أقل بكثير من متوسط إنتاجه السنوي خلال عشر سنوات والبالغ 150.000 وحدة سنويًّا، مواصلًا الهبوط بعدما بلغ ذروته ببناء 221.000 وحدة في 2017/2018. بينما نلاحظ وتيرة ارتفاع إنتاج القطاع العام من المساكن والذي ظل أكبر بمقدار الثُّلث من متوسط إنتاجه خلال عشر سنوات، مصاحبًا بارتفاع حصته إلى 12% من إنتاج المساكن، وهي نسبة أعلى قليلًا من متوسطه على مدى عشر سنوات والذي بلغ 11%، فربما يشير هذا إلى توجه نحو صعود طويل المدى.
يمكن فهم صعود الإنتاج الحكومي من خلال مضاعفة إنتاج الإسكان الاجتماعي غير الهادف إلى الربح (مشروع الإسكان الاجتماعي بالإضافة إلى الإسكان التعاوني وبديل العشوائيات، ومشاريع صغيرة أخرى)، من 41 ألف وحدة سنة 2013/2014 إلى 97 ألف وحدة سنة 2021/2022. ولكن صاحب هذا أيضًا ارتفاع ملحوظ في إنتاج الحكومة للإسكان الاستثماري الهادف إلى الربح (مشاريع دار مصر، وسكن مصر، وجنة، والإسكان الفاخر) خلال السنوات التسع الأخيرة، من 4% من إجمالي الإنتاج الحكومي إلى 25%، أو نحو 34 ألف وحدة.
تخلص دراسة من يبني الإسكان في مصر إلى عدد من الملاحظات، أولها أن التأخر في تعديل قانون التصالح في بعض مخالفات البناء لمدة تزيد على السنتين قد عمل على تشجيع البعض على البناء المخالف آملين في تقنين أوضاعهم، لأن آخر تاريخ لقبول طلبات التصالح تم مده في سنة 2017، إلى أكتوبر 2023. على صعيد آخر زادت سياسات الحكومة لضبط عملية البناء، منها قرارات حظر البناء في المدن الكبرى أثناء جائحة كورونا، وإصدار اشتراطات بنائية جديدة أكثر تعقيدًا، أدت إلى تقلُّص إنتاج القطاع الخاص الرسمي. هذا بالإضافة إلى تحجيم استثمار الأفراد وصغار المقاولين في البناء في المدن الصحراوية الجديدة بعد توقف هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عن تخصيص قطع أراضي الإسكان الاجتماعي الصغيرة والمنخفضة الأسعار نسبيًّا، وتفضيل المطورين الذين يسددون ثمن الأراضي بالدولار الأمريكي.
مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه المصري وغياب صناديق استثمارات للمعاشات، يظهر احتياج الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة إلى استثمار مدخراتهم، خاصة لمن يعملون في الخارج. هنا تذهب نسبة كبيرة من هذه المدخرات إلى الأصول العقارية، التي تعتبر تقليديًّا “الملاذ الآمن” بحسب رأي العديد من الخبراء والمسؤولين. استقبل جزء لا بأس به منتج الحكومة الاستثماري، وإلى حد أقل مساكن القاطاع الخاص الرسمي. ولكن نظرًا إلى ارتفاع أسعار المنتج الرسمي الحكومي والخاص وعدم مناسبة خطط سداده للدخل الموسمي لمعظم المصريين، وزيادة معدلات الفقر، اضطر معظم الباحثين عن سكن إلى البناء بشكل غير رسمي، سواء للتحايل على القواعد التنظيمية الأشد صرامة، أو للحصول على سكن بأسعار يستطيعون تحملها، ما أدى إلى تربع القطاع الخاص غير الرسمي والأهلي على عرش منتجي الإسكان في مصر.