“المعلم” مسمى شعبى متداول يطلق على كبير الصنايعية و يستخدم للاشادة ايضا فى حالة إجادة أمر معين بدرجة كبيرة، ولعله جمع بين الاثنين فلازمه لقب المعلم طلية حياته واصبح المفضل لديه، بل واصبح أكثر شهرة من اسمه الحقيقى إنه عثمان أحمد عثمان التى تحل اليوم ذكرى وفاته الثانية العشرين ، بعد حياة استمرت نحو 82 عام كانت للسياسة و المال والأعمال الجزء الاكبر منها ، وأشهر مايعرف به المعلم هو كونه مؤسس شركة المقاولون العرب .
ويرصد صدى البلد عقارات رحلة المعلم منذ ميلاده فى محافظة الاسماعيلية التى تبعد عن نحو 100 كيلو عن القاهرة و حتى صعوده فى عالم المال و السياسة وصولا لاخر محطات حياته .
ولد عثمان أحمد عثمان فى السادس من إبريل عام 1917 فى حارة عبد العزيز المتفرعة من شارع مكة بحى العرب بالاسماعيلية توفى والده الذى كان يمتلك محل بقالة بعد ميلاده بثلاث سنوات و تولى اخيه الاكبر محمد وأمه تربيته ، بجانب اربع أشقاء أخرين ، بعد حصوله على تعليمه الابتدائى سافر الى القاهرة للالتحاق بمدرسة السعيدية الثانوية بالقاهرة نجح عثمان بمجموع كبيرة كانت والدته تطمح أن يدخل كلية الطب و لكنه اختار كلية الهندسة ليعمل فيما بعد مقاولا متعلما على حد قوله و ليس مهندسا فقط متأثرا بخاله الذى كان مقاولا كبير فى الاسماعيلية آنذاك.
وكانت لشهادة الفقر الذى طلبت منه عند التقدم للالتحاق بكلية الهندسة حافزا كبيرا فى مشوار عثمان ، حيث استطاع من خلال هذه الشهادة الحصول على أعفاء من مصروفات الكلية التى بلغت اربعين جنيها و هو مبلغ كبير فى ذاك الوقت وظلت هذه الواقعة لها اثر عظيم عليه لم يستطيع محوها من ذاكرته رغم مرور السنوات و قرر تخطى الفقر الواقع الذى يعيشه متناسيا قسوة الكلمة التى تمثل الفوارق الكبيرة بين الناس ، اقام عثمان طوال فترة دراسته فى باب الخلق لدى شقيقته و زوجها الشيخ على حسب الله و الد المهندس صلاح حسب الله احدى وزراء الإسكان السابقين لمصر.
مشواره العملى:
تخرج عثمان من الجامعة عام 1940 و عاد عثمان إلى مدينة الإسماعيلية ليعمل مع خاله ، واستطاع تحقيقه حلمه فيما بعد ببناء شركة مقاولات كبيرة وناجحة في ذلك الوقت، كانت كل الشركات في الشرق الأوسط شركات أجنبية.
أعلن عثمان تأسيسه شركته وأسماها عثمان أحمد عثمان، للهندسة والمقاولات، والتي تم تغيير إسمها فيما بعد إلى المقاولون العرب “إحدى كبريات شركات المقاولات فى مصر والشرق الأوسط حاليا”.
بلغ رأس مال شركته عند بدايته 180 جنيها مصريا، كونهم من عمله مع خاله ، وكان عثمان هو مالك الشركة والعامل الوحيد بها، بدأ عمله بمشاريع صغيرة مختلفة من غرفة صغيرة بمكتبه، تنوعت تلك المشاريع ما بين بناء متاجر صغيرة، جراجات وصيانة المباني وما إلى ذلك.
و اعتمد عثمان على ثلاث محاور لإنجاح شركته وهي العمل الجاد، ذكائه، ومهاراته التنظيمية، توسعت الشركة سريعا لتنافس الشركات الأجنبية في المشاريع الأكبر، وكان أول مشروع كبير للشركة هو إنشاء مدرسة للفتيات ومسرح قبل أن ينقل اهتمامه للمشاريع الأكبر بالقاهرة.
في خمسينات القرن الماضي سافر عثمان إلى المملكة العربية السعودية ، حيث شهدت المملكة في تلك الفترة طفرة هائلة في قطاع البناء بسبب الثروة النفطية مثلها مثل باقي منطقة الخليج العربى ، واستطاع عثمان إستغلال ذلك الحدث لصالحه جيدا، فخلال فترة قصيرة من الوقت بدأ بتنفيذ مشروعات بملايين الدولارات في كل من الكويت، ليبيا، العراق والإمارات العربية المتحدة مكونا بذلك ثروة كبيرة. صرح عثمان أنه وجد زمام السيطرة في أغلب الدول العربية في يد احتكارات وتكتلات الشركات الأجنبية دون العربية.
وفي عام 1956 عاد عثمان إلى مصر تزامنا مع إجراءات الرئيس جمال عبد الناصر بالتوسع فى البناء والتنمية، حيث حصل على عقد قيمته 48 مليون دولار لمشروع بناء سد أسوان، وبالرغم من اختلاف سياسة عبدالناصر الإشتراكية مع سياسة عثمان الرأسمالية إلا أن الإثنين تعاونا في تحقيق استراتيجية عبدالناصر في مواجهة الكيان الصهيوني التي تطلبت بناء المخابئ، المطارات، قواعد الصواريخ.
لم يستمر هذا التعاون كثيرا فمع حلول عام 1961، أعلن عبدالناصر تأميم شركة المقاولون العرب، كان أمام عثمان الذي كان خارج البلاد في ذلك الوقت خيارين إثنين إما أن يظل بالخارج مستمرا في جمع ثروته أو أن يعود إلى مصر وهو الأمر الذي اختاره قائلا أنه يشعر بالمسئولية تجاه بلده وموظفيه وشركته.
وتعهد عثمان أن تواصل الشركة العمل بنفس الكفاءة بغض النظر عمن يمتلكها، اعتمد عثمان نظام حوافز الأجور داخل شركته، الأمر الغير قانوني لأي شركة قطاع عام، لكن بعد نجاحه في مشروع سد أسوان سمح ناصر لمجلس عثمان بمواصلة إدارتهم للشركة وأصدر قانونا يسمح لشركات القطاع العام بتحديد الأجور والحوافز للعاملين بها بشرط أن تكون قد قامت بجزء كبير من أعمالها في الخارج.
علاقته بالرئيس السادات:
بالرغم من صدمة البلاد لوفاة ناصر عام 1970، إلا أن عثمان رحب كثيرا بتولي السادات صديقه القديم الحكم وفي حرب أكتوبر 1973، ظهر دور شركة المقاولون العرب التي بنت العبارات التي حملت القوات المصرية عبر قناة السويس.
واعتبر عثمان هو ثاني أقوى رجل في مصر نتيجة علاقته الوثيقة مع السادات والتى تعرض بسببها للعديد من الانتقادات لعل من أهمها هو استغلال هذه العلاقة لكسب القوة السياسية ، وعين عثمان وزيرا للإسكان فى عهد السادات.
و اعتبر عثمان مؤيدا قويا للسادات، الذي غير نظام مصر الاقتصادي من الإشتراكي إلى الرأسمالية ، مرحبا بمبادئ السوق الحر وسياسات التجارة الحرة، معلنا دعمه الكامل لكل الطرق التي تسمح للقطاع الخاص بالازدهار، وكان عثمان ضمن بعثة السادات في عام 1977 للكيان الصهيوني للتحدث في الكنيست الاسرائيلي.
و اعتبر عثمان واحد من اغنى اغنياء العالم فى الثمانيات و اتسعت حدود شركاته فى العالم كله لدرجة اطلاق الشائعات وقتها بانه قادر على سداد ديون مصر.
ووجه عثمان نصيحة لخريجي الجامعات بعدم قبول الوظائف الحكومية الافتراضية ، موضحا أن الحكومة لن تكون قادرة على توفير هذا العدد الكبير من الوظائف مرشحا العمل الخاص للشباب حيث صاحب عمل خاص يريد دائما توسيع نطاق أعماله ليزيد من ربحه وهذا يعني المزيد من فرص العمل للشباب.
و علاقته برئيس محمد انور السادات لم تقتصر على العمل بل امتدت للمصاهرة حيث تزوج ابنه الأكبر محمود بابنة الرئيس السادات الصغرى جيهان.
وتوفي عثمان فى الاول من مايو عام 1999، بعد صراع طويل مع مرض القلب.
ويتمتع عثمان احمد عثمان بمكانة كبيرة فى محافظة الاسماعيلية و شعبية واسعة حيث العديد من الشوارع و الميادين تحمل اسم عثماثون نسبة له بالاضافة الى شركته للمقاولات التى تحمل نفسه الاسم ويديرها اولاده رغم مرور 22 سنة على وفاته الى ان عثمان يعتبر رمزا و ابنا بارا بالاسماعيلية فمازالت أعمال الخير التى أسسها موجودة و يحرص على اولاده على استمرارها و تواجدهم ايضا فى المحافظة.